رواية " جنازة الملائكة"
وائل ردّاد
في فلسطين تغدو مثل تلك الحكايات التي تروي البطولات وقائع… فالنمر الذي دافع بضراوةٍ عن عرينه ومات دونه فأصبح النّاس يرون شبحه يتجوَّل في الأرجاء كلَّ ليلةٍ هو حقيقة، وأولئكَ الأطفال الذين يخطفهم اليهود ويمزجون دمهم بالزعفران ثمَّ يصنعون منه فطائر العيد حقيقةٌ أيضًا.. إنَّها الأرض المحتلة مسرح كلّ الحكايات..وهذه الحكاية أيضًا التي تدور بجوٍّ من الفنتازيا والخيال الممزوج بالرّعب والبطولة ودم الشهداء، بتركيبةٍ فريدة ومغايرة..
روايةٌ رائعة تُصيبُكَ بالذهولِ في بدايتها فتتشتّتُ أفكارك ثمّ تُعيدُ ترتيبها وأنت ماضٍ في طريقِ أبطالها الصغار الذين لهم همّةُ الرجالِ الأشاوس الأبطال..
بطلُ الرواية هو يزن كاتبُ قصصٍ وروايات يحملُ في عقله خيالاتٍ وآمالٍ لا حصَرَ لها؛ يخوضُ مغامرةً لا مثيل لها بعدَ أن أصبحَ أسيرَ مملكةِ أحلامه التي تراودهُ ليلاً فتقضُّ مضجعه..
يزن الذي فقدَ صديقيه منذ زمن؛ روّت دماؤهما الطاهرةُ أرضَ فلسطين الحبيبة التي اعتادت أن تتبرّعَ بدماءها لأُمّةٍ لا دمَ لها منذ أن داسَ الغاصبُ أرضها واستباحها..
يزن يسمعُ في صغره حكايا جدّته التي ظنّها خيالاً عن نمرٍ فقدَ زوجته في مذبحة دير ياسين ووجدَها في بئرِ الجثث قد شُقّ بطنها وطفلها بجانبها ما زالَ حيّاً يُرزق فسمّاهُ فاتك النمر وأقسمَ لينتقمنّ ممّن قتلوا زوجته وأعملوا تلك المذبحة الدموية في قريته دير ياسين المنكوبة في التاسع من ابريل ١٩٤٨م وكانَ لهُ ما أراد وكانَ الموتَ القادم الى بني صهيون من حيث لا يعلمون..
يزن تقودُه أحلامه الى جنين؛ حيثُ يلقى أمّ الفتاةِ المنكوبة أوديت المسيحية التي تبخّرت كأنّها لم تكن ولم يعُد لها أثر..
يتعقّبُ يزن وأصدقاؤه الذين جمعهم القدر والشهامة والنخوة أثرَ أوديت الذي يقودهما الى بيسان التي أضحت مستوطنةً صهيونية فكيف السبيلُ إليها؟
في رحلتهم تلك المحفوفة بالأخطار يجمعهم القدر بالنمر وابنه فالنمرُ كان حقيقةً وليسَ ضرباً من الخيال..
يساعدهم فاتك النمر بالولوجِ إلى المستوطنة للبحث عن أوديت؛ مصاعبٌ كثيرةٌ واجهتهم فهُم في وكرِ الصهاينةِ وعُقرِ ديارهم المغتصبةِ من أرضنا..
وفي هذه الرحلة يعلموا السرّ وراء خطفِ أوديت فهي مسيحيةٌ فتيةٌ بريئة بعمر الزهور وهذه المواصفاتُ التي يبحثُ عنها كهنةُ الشياطين لإستكمالِ طقوسهم الشياطينية قبيلَ عيد البوريم او عيد الفصح حيثُ يتمُّ تصفيةُ دماءٍ نقيةٍ طاهرة بريئة غير يهودية ويفضّل ان تكون مسيحية ليتمّ تنشيفها وخلطها بالزعفرانِ مع الدقيقِ لصُنع فطير العيد الذي يُنقّيهم من خطاياهم وذنوبهم..
فماذا سيحدثُ بالأبطال؟ وهل سيتمكن يزن من إنقاذ أوديت كما وعد؟
هذا ما ستعرفونه حينَ تقرؤون هذه الرواية الرائعة التي استمتعت جداً بقراءتها رغمَ الآلامِ وجنازاتِ الملائكةِ التي تمتلئ بها سطورها لكنّ الخيالَ لا يغيّر حقيقةَ ما نعيشه في فلسطين التي تُغتصبُ وتُستباحُ وسطَ صمتٍ رهيبٍ عربيٍّ ودوليّ..