عن رواية (القطار الأخير من هيروشيما) التي توثق الكارثة النووية التي حصلت هناك..بقلم: بيسان الخطيب...

 

" القطار الأخير من هيروشيما"..


مع اقترابنا من شفا هاوية الانتشار النووي المنفلت من أي ضوابط حتى الإرهاب النووي، يجب أن نتذكر أن هيروشيما وناغازاكي تمثلان قوة الأسلحة الأشد فتكاً التي سنراها في حياتنا على الأرجح. 

بهذه الكلمات تبدأ رواية "تشارلز بلغرينو" الموثقة بشهادات حية وأسماء وشهود عيان ناجين يروون ما حدث للبشر والحجر تحت القنبلتين النوويتين اللتين ألقيتا فوق هيروشيما وناغازاكي في الحرب العالمية الثانية. 

لم يكن تسوتومو ياماغوتشي الناجي الوحيد الذي تمكن من اختبار الانفجار مرتين والنجاة منه، كان حسن الحظ المحض المطلق هو الذي أنجى أولئك الذين سَلموا من تلك القنابل الأميركية رغم وجودهم ضمن مسافة قريبة من نقطة التفجير لحظة سقوطها. 

فقد كان هؤلاء في مأمن من أشعة غاما والأشعة الحمراء المميتتان فقد شاء القدر أن يكون هؤلاء الناجون في مواقع تمكنت من امتصاص الصدمة الطبيعية للانفجار من دون أن تؤثر على من فيها. 

قصص النجاة المزدوجة هذه تشكل جزءاً من مادة هذا الكتاب "القطار الأخير من هيروشيما - الناجون ينظرون إلى الخلف" والتي اعتبرها المؤلف مراجع تاريخية تضمنت ملخصات موجزة ومرتبة أبجدياً عن سير حياة شهود العيان الرئيسين في هذه الحكاية. 

يمكن وصف كتاب "القطار الأخير من هيروشيما" بأنه كاتالوج فاضح يسلط نظرة نافذة على مشاهد الرعب التي تحبس الأنفاس، وتتوقف القلوب ذعراً أمامها، فهو كتاب يكشف عن حقائق علمية لا تخطر على ذهن بشر. 

إنها أكثر من رواية، إنها حقيقة تنفث ألماً وغضباً تجاه قوى الشر في هذا العالم. 

ودعوة لإنهاء الحرب النووية بحسب وصف "بلغرينو" لخطة ياماغوشي "الفئة الوحيدة التي ينبغي أن يسمح لها بحكم الدول التي تمتلك أسلحة نووية، هن الأمهات اللواتي ما زلن يرضعن أطفالهن من صدورهن"..


القطارُ الأخيرُ من هيروشيما.. الناجونَ ينظرونَ الى الخلف..

في لحظةٍ خاطفةٍ ألقى تشارلز سويني بأوامرَ أمريكية في السادس من آب عام ١٩٤٥م الساعة الثامنة والربع صباحاً قنبلة يورانيوم سنجير على هيروشيما وبعدها بثلاثة أيّام ألقى قنبلة البلوتونيوم المكرّر المخصّب على ناغازاكي..

لن يعرفَ ما حدث إلا من نجى بأعجوبة؛ وكأنّ الأرضَ والسماءَ أخرجت ما فيها وذابت الأجسادُ وتبخّرت في أجزاءَ من الثانية ولم يعلم الناجونَ أنّهم سيعيشونَ بإشعاعاتِ غاما ونيوترونات أتلفت حمضهم النوويّ وجعلت أجسادهم مرتعاً لتكاثر كريات الدم البيضاء بشكلٍ جنونيّ وموتهم فيما بعد من أمراض القنبلة النووية " سرطان الدمّ اللوكيميا وسرطان العظم وغيرها"..

أكثرُ من خمسونَ ألفاً قضوا نحبهم على الفورِ أو في الساعاتِ القليلةِ القادمة بعد أن ذابت أمعاؤهم وتقيّؤوا دماءا عدا عن مظهرهم الخارجيّ الذي أضحى مثل كتلةٍ متفحّمةٍ آخذةٍ بالذوبان ومنهم من فقدَ بصره أو سمعه قبل أن يستقلّ قطارَ الموت..

الناجونَ ظنّوا أنّ ناغازاكي في مأمن فركبوا قطار هيروشيما إليها فلقيهم الموتُ فاتحاً ذراعيه يستقبلهم وقلّةٌ من نجوا من الموتِ مرّتين مثل ياماغوشي..

أيُّ عقلٍ يستوعبُ كلَّ ما حدث في لحظةٍ ينهارُ كلّ شيء ويحلّقُ شبحُ الموتِ الأمريكيّ يحصد الأرواح..

هل أضحى الناسُ في هيروشيما وناغازاكي فئرانَ تجاربٍ للأمريكان؟ تلك القنبلة التي افتخرَ أوبنهايمر بابتكارها حتى صنعوا فيلماً يمجّدُ ذلك في العام الماضيّ وهم فخورون بانجازاتهم رغمَ أنهم وصفوها بتجربةٍ مخيّبةٍ للأمل فحجمُ الكارثة كان أقلّ مما يأملون..

وقبل ذلك كانت أمريكا السيدة العظمى قد ألقت قنابل النابلم الحارقةِ على طوكيو فأصبحت كعُلبةٍ كبريتٍ مشتعلة..

في الحربِ يُبيحونَ كلّ شيء وكأنّ الإنسانَ البريء لا قيمة له؛ ميكافيليين الفكرِ سيمتهم الخداع فالغايةُ عندهم تبرّر الوسيلةَ مهما كانت..

والضحيةُ هو الإنسان البريء الأعزل كما هو الحال في هيروشيما وناغازاكي والآن في إدلب وغزّة..

فهل بقيَت قنبلةٌ محرّمةٌ دولياً لم يتمّ استخدامها في هذه الحروب التي لا تنتهي؟


تعليقات