عن كتاب "أنا نجود ابنة العاشرة ومطلقة" حكاية أصغر مطلقة في اليمن. بقلم: بيسان الخطيب

 

" أنا نجود ابنة العاشرة ومطلّقة"..

قصة أصغر زوجة يمنية مطلّقة..


في بلاد اليمن السعيد في قرية خارجي ولدت نجود لأبوين حالهما كحال بقية أهل القرية يعتالون من المواشي وتربية النحل الذي يعطيهم الذهب اليمنيّ "العسل" الذي لا يضاهيه أيّ عسلٍ في العالم؛ والدها الذي اعتاد كغيره على مضغِ القاط الذي تشتهرُ به اليمن والذي زوّج أختيها اللتان تكبرانها بسنتين أو ثلاث بعد أن ذاعَ خبرُ اختطافهما كما هو شائعٌ في تلك القرى النائية فتمّ تزويجهما وهما لم تتجاوزان الثالثة عشر خوفاً من العار..

ورحلَت العائلةُ تاركةً ورائها رزقها وابنتيها الى العاصمة صنعاء ليبدؤوا حياةً جديدةً بعد أن تلطّخت سمعتهم في القرية بعد انتشار شائعة الخطف..

وجد الأبُ عملاً في البلديةِ كنّاساً لكن لم يطل به الحالُ فأصبحَ سكيراً، مدمناً على القاط وعانت الأسرةُ الأمرّين..

وانتهت أحلامُ نجود ابنة العاشرة التي اغتالَ والدها حلمها في الدراسة والرسم وهي لم تكمل الصفّ الثاني وقرّر تزويجها من شخصٍ يكبرها بعشرينَ عاماً من قريتهم ووجدَ فيه فرصةً لدرءِ عارٍ مستقبليّ وإنقاصِ الأفواهِ الجائعةِ في بيتهِ فاهاً..

نجود الطفلة التي لم تبلغ بعد ولم تعش طفولتها كيف أصبحت بين ليلةٍ وضُحاها زوجةً لشخصٍ يكبرها عشرون عاماً؟

عادت إلى قريتها زوجةً في يومها الأوّل وشعورُ الغُربةِ والخوفِ من المجهولِ يلازمانها؛ عادت إلى موطن رأسها تستوطنها غُربةٌ لا حدودَ لها..

وفي الليلةِ الظّلماءِ انقضّ عليها وحشٌ كاسرٌ لم تثنهِ دموعها وصراخها عن بدء ما شرَع به حتى سالت قطراتٌ من الدماءِ على الغطاءِ الأبيض وعلت الزغاريدُ البيت ونجود تبكي وجعاً وألماً وقهراً ولا تدري أيُّ مصيرٍ قادها إلى حيثُ أضحت..

توالت عذاباتها نهاراً وليلاً؛ في النهارِ تعملُ وتكدحُ في البيتِ وأظفارها ما زالت لينةً بعد؛ تعجنُ وتخبزُ في التنّورِ وتطبخُ وتتقاذفها سيولُ الشتائم من حماتها كي تُسرعَ في أعمالها قبل عودةِ زوجها ذلك المسخُ الذي حوّل لياليها جحيماً لا يُطاق؛ وزادَ جحيمها أن حفلةً من الضربِ والجَلدِ على جسدها ستُصبحُ طقوساً ليلةً عليها اعتيادُها..

وبعد شهرين من معاناتها ذهبت لزيارةِ أهلها في صنعاء وقد عقدت العزمَ وهي الطفلةُ في العاشرة ان لا تعودَ الى ذلك البيتِ مهما كلّفها الأمر..

وفي الثاني من نيسان ٢٠٠٨م وبمساعدة زوجة أبيها التي عانت مُسبقاً مثلما عانت نجود؛ قررت الذهابَ الى المحكمةِ لطلب الطلاق..

كيفَ لطفلةٍ في عمرها أن تكونَ بهذه الجرأة؟

وذهبت نجود الى المحكمة واستمعَ القاضي لقصتها وتعاطف معها وكذلك فعلت المحامية شدا التي كانت خيرَ عونٍ لها؛ وبقيت في بيتٍ آمنٍ لحينِ النُطقِ بالحُكم..

وجاء اليومُ المشهود وضجّت المحكمةُ بالصحافةِ وجمعيات حقوق الانسان ونطقَ القاضي بالحكم:

تمّ الطلاق..

وبهذا أصبحت نجود أصغرَ مطلّقةٍ في العالم..

وصارت مُلهمةً لغيرها وشجّعت الكثيراتِ ممن قضى عليهنّ الزواجُ المبكّرُ بالإكراه على الطلاقِ مثلها واستعادةِ طفولتهنّ المسلوبة وحرّيتهن..

وفي العاشر من نوفمبر ٢٠٠٨م حصلت نجود على جائزة إمرأة العام قدّمتها المجلة النسائية الأمريكية غلامور لتتقاسمَ بسنها الصغير هذا التكريم مع نيكول كيدمان وهيلاري كلنتون وكونداليزا رايس..

وهذا ليس بكثيرٍ على ضحيةٍ يمنية أصبحت بطلة العصر وقررت نجود أن تكمل دراستها وتُصبحَ محاميةً مثل شدا التي كانت خيرَ عونٍ لها وتدافعَ عن الفتيات اليمنيات..


تعليقات