قراءة في رواية "أرض الأجداد" للكاتب أحمد أبو مكي بقلم بيسان الخطيب...

 


رواية " أرض الأجداد"

للكاتب المبدع أحمد السيّد أبو مكّي..


عن أيّ أرضٍ يخبرنا الكاتب ومن هم الأجداد؟ روايةٌ كتبها الأجدادُ بالحبرِ الأحمرِ كنايةً عن دماءهم التي سالت وروَت أرضَ ناميبيا في القارة السوداء على سواحل الأطلسيّ أوائل القرن العشرين وأُزهقت الكثيرُ من الأرواح لكنّ عدالة السماء تشاءُ أن يبقى ناجونَ يحملون إرثَ أجدادهم المكتوب بدماءهم وبعد قرنٍ من تلك المأساة يحاول الأحفادُ إعادة السلام الى أرواحِ أجدادهم..


روايةٌ رائعة وصفت أحداث ما جرى في تلك الحقبة بتفاصيلٍ يُخالُ للقارئ أنّهُ يُعايِشُها او عاشها في زمنٍ ما..

يبدأ الكاتبُ من زمننا الحاليِّ نرى فتاةً سمراءً بجدائلَ جميلة على قدرٍ عالٍ من الرقيّ والحضارة وكأنها حوريةُ بحرٍ خرجت من بحرِ التاريخِ اسمها " رويا" تتعرّضُ لمحاولةِ قتلٍ أثناء توجهها الى الجامعة لمناقشةِ رسالة الماجستير في الدراسات الانسانية تحت عنوان " أرض الأجداد" وهو الكتابُ المخضّبِ بالحبرِ الأحمر الذي تحتفظُ به معها وهو إرثُ جدّتها أنيسيا والدةُ أبيها وكانت أمها ممّن نجوا من المذابحِ التي قام بها الألمانُ النازيين بحقِّ أصحابِ الأرضِ الأصليين قبائل الناما والهريرو خلال عام ١٩٠٤ وحتى ١٩٠٩م..

جهةٌ مجهولةٌ حاولت قتل رويا وسرقة الكتاب حتى لا يعلمَ أهل ناميبيا ما حصلَ مع أجدادهم وحتى لا تفتضح ألمانيا النازية أمام العالم؛ لكنّ رويا نجت بأعجوبةٍ ورافقتها إصاباتُ جسدها وعُكّازها الى منصةِ التكريمِ حيثُ ألقت أمام الناسِ رسالتها وخلفها لوحةٌ كبيرةٌ جُمعَ فيها أسماء القبائل ورموزهم واستهلّت كلماتها وسطَ الدموع:

" مورا، مورا ناميبيا"..

صباح الخير ناميبيا بلهجة " هيريرو"..

وأردفت موجهةً كلامها لأعداءِها:

لقد حاولتَ ان تمحو تاريخنا قبل عشرات السنين لكننا ها هنا باقون، لقد حان الوقت لاستعادة رُفاتِ أجدادنا من بلاد العدوّ، نعم تأخرنا كثيراً لكن لقد آن الأوان..

واشتعلت القاعةُ بالتصفيق الحارّ تفاعلاً مع كلماتها..


لنعلمَ الآن ما حصلَ أنذاك لنعُد بالزمنِ الى الوراء ونرحلَ الى القارة السوداء الى ناميبيا أرض الألماس..

بلغت سياسة الاضطهاد التي كانت ألمانيا تنتهجها في مستعمراتها الافريقية ذروتها عام ١٩٠٤-١٩٠٩م؛ فقد اعطت جنودها الحرية الكاملة في ممارسةِ كلّ انواعِ القتلِ والتشريد بحقِّ من يعارض وجودها في المنطقة من أهلِ الارضِ الاصليين فأخذت ترتكب بحقّهم الفظائعَ من قتلٍ وتشريدٍ واغتصابٍ للأراضي والممتلكات بالإضافةِ الى عزلهم في معسكرات الموت..

وكانت أهمّ هذه المعسكرات في " جزيرة القرش" فتعالوا لنلقي نظرةً اكثرَ قُرباً لما حدث..

هناكَ في الجنوب الغربيّ للقارة السوداء وعلى بُعد آلافِ الكيلومترات عن القارة العجوز ، انسكبت دماءُ الآلافِ من الابرياء في اولى المذابحِ الجماعيةِ التي شهدها القرن العشرين؛ صدر ذلك بعد ان اصدر الجنرال لوثر فوت تروثا أمراً يقضي بمواجهةِ من يقفُ في وجه الاحتلالِ الألمانيّ للمنطقة بشتّى الوسائل مما أدّى الى قتلِ ٨٠ ٪؜ من شعب هريرو و ٥٠٪؜ من شعب ناما دون رحمة..

ولم يتوقف الأمرُ عند ذلك بل قامت ألمانيا بنقلِ الناجين الى معكسرات الموت حيثُ كانت تنكّلُ بهم وتعذّبهم وتصلبهم على الأشجار؛ فيما قامت بنقلِ أجسادِ ما يزيد عن ١٠٠ ألفٍ ممن قتلوهم الى ألمانيا لإجراءِ التجارب عليها؛ أمّا الثلّةُ القليلةُ التي استطاعت الفرار من المذابح فتُرِكوا وسط صحراء كالاهاري بلا طعامٍ او شراب لتكويهم الرّمال بحّرِّها وتنهش الطيورُ الجارحةُ أجسادهم..

وكانت جزيرةُ القرش من بينِ معسكراتِ الاعتقال النازية حيث لقيَ الآلافُ ممّن نُقلوا اليها حتفهم فيها..

وأُجبرَ الذين رُحّلوا الى الجزيرةِ على القيامِ بأعمالٍ شاقةٍ من بينها سلخ لحومِ من سبقهم الى الموت عن جماجمهم وعظامهم وتنظيفها تماماً ليتمّ نقل العظام والجماجم الى ألمانيا لإجراء الأبحاث العلمية عليها..

لم يتوقف الأمرُ عند هذا الحدّ بل استخدم العلماءُ هذه العظام والجماجم في التجارب العِرقية؛ أوغن فيشر هو احد هؤلاء العلماء الذين كانوا يسعون لإثباتِ تفوّق العِرقِ الآريّ..

حالياً يدعوا ممثلونَ عن شعوب ناما وهريرو الحكومة الألمانية والبرلمان الى الحوار للاعترافِ رسمياً بهذه الإبادة الجماعيه كما يطالبونَ بإعادة العظامِ العائدةِ الى الناميبيين المحفوظةِ في جامعات بيرلين ومزيبورغ والمعروضة في مختلف المعارض..

حيث يعتقد الكبار من شعب ناما وهريرو أن السعادة ستغمرُ روحَ آبائهم حينَ يدفنونَ رُفاتهم في أرضهم " أرضِ الأجداد"..

ونذكر ان ألمانيا النازية فشلت في الصمود أمام اللوبي الصهيونيّ فاعترفت رسمياً بالإبادةِ النازيةِ ومحارق الهولوكوست ورضيت بدفعِ التعويضات في حين انها تمتنعُ عن اتخاذِ ذاتِ الخطوات بحقّ الشعبِ الناميبيّ البعيدِ عن النشاطاتِ اللوبية..


أشكر الكاتب على هذه الرواية الرائعة التي كُتبت على لسانِ من سكنوا أرض الأجداد وتعرّضوا للمذابحِ والتنكيل كُتبت بدماءهم وظهرت الحقيقةُ للعيان رغم أنفِ ألمانيا النازية وعليها ان تُعيدَ رُفاتهم كي تنعم أرواحهم بالسلام..

مورا، مورا ناميبيا..

تعليقات