تاريخ المقاومة في فلسطين ممتلئ بأسماء كثيرة خالدة، حُفرت تلك الأسماء على أرض فلسطين، استشهد من استشهد منهم، أُغتيل من أُغتيل، أُسر من أُسر وقُصف من قُصف، ولكن ما يجمع بينهم جميعاً هو أن جميعهم بقوا وكأنهم لازالوا أحياء، أسماءهم تُرَدَّد كل حين، بل تحولوا بعد موتهم إلى صواريخ ومُسَيرات وأسلحة تفتك بالعدو الجبان وتلقي في قلبه الرعب.
من أبرز تلك الأسماء، هو محمد الزواري، وربما قد سمعت أن ذلك الإسم قد أُطلق على مُسيَّرات قتالية تمتلكها كتائب القسام وشاركت بها في هجوم السابع من أكتوبر الماضي وألحق بالعدو الإسرائيلي خسائر فادحة.
فمن هو محمد الزواري؟ وما هي جنسيته الحقيقية؟ وكيف أصبح أحد أهم قائدي القسام؟
وما هي تفاصيل إنضمامه للمقاومة والمساهمة في صناعة تلك المُسيرات التي كان لها دور كبير في انتصار السابع من أكتوبر الماضي؟
حكايتنا اليوم تستحق أن تركز في تفاصيلها .. فبطلها مثلي ومثلك، ولكنه قرر ألا يكون متفرجاً على ما يحدث في أرض فلسطين، وقرر أن يشارك بعلمه وعقله..بل وبروحه
حكاية مهندس قرر أن يكون مقاتلاً ومقاوماً....الزواري!
فكن معنا للنهاية.
_____________________________
كانت كتائب القسام الشهيد عز الدين القسام الجناح العسكري لحركة "حماس" قد أعلنت دخول طائرات "الزواري" المُسيَّرة الانتحارية الخدمة واستخدامها في عملية "طوفان الأقصى"، وكانت الحركة قد نشرت مقطعاً ترويجياً لتلك المسيرّات، وذكرت في بيان، أن تلك الطائرات شاركت في اللحظات الأولى لعملية "طوفان الأقصى"، حيث شنت 35 طائرة انتحارية من طراز "الزواري" هجمات في جميع محاور القتال.
هذا الطراز من المُسيرات سمي بالزواري نسبة إلى من أشرف على تصنيعها وتجريبها وهو المهندس محمد الزواري
إذن من هو هذا الشخص؟
محمد الزواري يا صديقي القارئ هو مهندس تونسي ولد في مدينة صفاقس عام 1967 وكان عضوًا في حركة النهضة ودخل السجن في عهد نظام زين العابدين بن علي بسبب توجهه الإسلامي وكذلك توجه حركة النهضة التي كان ينتمي لها آنذاك، وبعد إطلاق سراحه غادر في عام1991 تونس باتجاه ليبيا باستخدام جواز سفر مزور باسم "مراد"، ثم سافر إلى السودان بنفس الإسم "مراد" حيث عمل هناك في مصنع خاص بتصنيع آلات النجارة، ومع الوقت تم بيع ذلك المصنع لجهة رسمية في الدولة وتم تحويله للإنتاج الحربي وبقى الزواري يعمل في هذا المصنع واكتسب خبرات عظيمة في التصنيع الحربي إلى أن نجح في الحصول على الجنسية السودانية، ثم غادر إلى سوريا لينضم إلى حركة حماس هناك .. وهناك تعرف على مجموعة من المقاومين ومن ضمنهم ضابط عراقي لا زال اسمه مجهولاً إلى الآن قام هذا الضابط بتأسيس مشروع طائرات بدون طيار وقرر إرساله للمقاومة في فلسطين، وكان الزواري قد أشرف معه على ذلك المشروع بحكم خبرته في الصناعة الحربية في السودان
وفي ذلك الوقت كانت المقاومة في أمس الحاجة لمهندس عليم بالصناعة العسكرية ليشرف على ذلك المشروع الضخم الذي وبلا شك سيمثل تطوراً كبيراً في قدرات المقاومة في غزة..وفي نفس الوقت يكون ذو توجه إسلامي لينضم إلى حماس ويكون جزءاً منها.. وكان هذا الدور مطابقاً للزواري ذو التوجه الإسلامي والخبرة الطويلة في الصناعة العسكرية
وانضم الزواري بالفعل لكتائب الشهيد عز الدين القسام في ٢٠٠٦ وكان من أبرز مهندسي الطائرات بدون طيار في حركة حماس، حيث أشرف على مشروع تطوير صناعة الطائرات بدون طيار في وحدة التصنيع في كتائب القسام.
ونظراً لأن ذلك التصنيع كان بحاجة لبعض الإمكانيات التي لا تمتلكها حماس، فقد قاد الزواري حينها فريق من مهندسي القسام في زيارة استكشافية لإيران والتقى بفريق خبراء مختص بالطائرات بدون طيار وأبدى استعداداه لتدريب الفريق..
وأنجز الزواري مع فريق التصنيع نحو 30 طائرة بدون طيار قبل "معركة الفرقان" عام 2008 على قطاع غزة، ومكث قرابة 9 أشهر بغزة واستكمل بناء وتطوير مشروع الطائرات بدون طيار.
.. ورجع الزواري وأسرته إلى تونس بعد الثورة التونسية وأكمل دراسته بل وعين أستاذا في الجامعة وكانت رسالة الدكتوراة الخاصة به مشروع غواصة يتم التحكم فيها عن بعد، وكان ينوي إرسالها للقسام بعد الانتهاء منها
وفي تلك الآونة تحديداً كان هناك عدوان على غزة تحديدا في عام ٢٠١٤ فقد اندلعت حرب "العصف المأكول" وهنا حدثت المفاجأة التي توجس منها الصهاينة، حيث ساهمت الطائرات بدون طيار التي طورها في إلحاق خسائر كبيرة بالجيش الإسرائيلي، ولعبت دورًا محوريًا في معركة العصف المأكول. ولاحظت اسرائيل وجود الطائرات "أبابيل" في استعراضات كتائب القسام، أثناء تلك المعركة...ومن هنا بدأ الموساد يبحث عن السبب وراء امتلاك القسام طائرات بدون طيار..إلى أن توصلوا للزواري
اغتيل محمد الزواري في 15 ديسمبر 2016، في الوقت الذي كان يستعد فيه لتشغيل سيارته، حيث قامت شاحنة صغيرة بالوقوف أمام سيارته واعتراض طريقه ، وفي تلك الأثناء بدأت النيران تنطلق نحوه من شخصان آخران، حيث قاما بإطلاق نحو عشرون رصاصة، أصابته من تلك الرصاصات بشكل مباشر ثمان رصاصات، كان من بينها ثلاثة رصاصات قاتلة على مستوى الصدر والرأس واستعمل القاتلان مسدسات مزودة بكاتمات صوت.
وفي 17 ديسمبر، أعلنت حركة حماس انتماء الزواري للقسام وكذلك أعلنت أنه كان مدير مشروع تطوير طائرات بدون طيار التي أطلق عليها اسم أبابيل1، ووجهت حماس أصابع الإتهام نحو اسرائيل وهددت أنهم سينتقمون له ممن اغتاله.
وعندما سئل وزير الدفاع الإسرائيلي عن اغتيال محمد الزواري قال بمنتهى التعجرف: أن اسرائيل ستواصل الدفاع عن مصالحها وأن الزواري لم يكن مرشحا لجائزة نوبل للسلام!
في النهاية لم يمت الزواري رغم اغتياله...بل إلى الآن لازال يقصفهم بطائراته المُسيرة التي صنعها .. وكأنما ينتقم لنفسه.
ولنا في هذا يا صديقي المشاهد عبرة..
فمن ترك أثراً خلفه..لم يمت وإن وارى جسده التراب
سيبقى ذلك الأثر الذي تركه، شاهداً له وعلى حياته التي قُضيت على نحو مشرف
ومن كانت حياته بلا قيمة فهو والموتى سواء .. فهو لا يزيد شيئاً على هذه الحياة
عاش ومات ودفن...ثم نساه الجميع وكأنه لم يكن يوماً على هذه الأرض.
ودعنا نستعرض أهم إنجازات الشهيد محمد الزواري
أولاً .. تطوير الطائرات بدون طيار أبابيل، والتي لعبت دورًا مهمًا في معركة العصف المأكول، ولا زالت إلى الآن تفيد المقاومة بشكل كبير
ثانيًا .. تأسيس وحدة التصنيع في كتائب القسام، والتي أصبحت من أهم الوحدات العسكرية في الحركة.
ثالثاً..تدريب المهندسين الفلسطينيين على صناعة الطائرات بدون طيار.
وما خفي أعظم.
رحم الله الزواري .. وأخرج لنا من هذه الأمة ألوفاً يسيرون على دربه.