كان الوداع بيننا باردًا، وقفتْ ترمقني بنظرات باردة جامدة كأن لم يكن بيننا حب ولا عشرة، غشت الجو رائحة اختناق وضباب ضاقت أنفاسي على إثرهما، وقفتُ ألملم بقاياي المتبعثرة، أصابتني الدهشة بوابل مما كان بيننا كيف اندثر وتوارى في طي النسيان! أيعقل أن يخون المرء رفيقه وحبيبه ويكسر أضلعه بلا اكتراث!
تذكرتُ أول لقاء بيننا وكيف كانت بريئة رقيقة كوردة تفتحت للتو، كم تكون البدايات جميلة ومبهرة! ليت البدايات تدوم!
وقتها كانت تطوف حولي كأن قلبي الحجر الأسود تتمسح به، تقبله تبركًا وتيمنًا وهو بالنسبة لي قلب لا يضر ولا ينفع، كانت تنثر كلمات الحب عليّ علني أسمح لها بالدخول، قلت لها: يا عزيزتي الحب وحده لا يكفي.
ظلت تحاول وأقاوم حتى فتحتُ حصوني التي صمدت لسنوات طويلة، نحن البشر ضعفاء مساكين تسعدنا كلمات الحب والتقدير ونتنازل عن حريتنا لأجلها، حين امتلكتْ قلبي وتمكنتْ ظلت تلاعبني، تنتقم مني لصدي الذي طال أمامها، حينها أيقنتُ أن الطيبة أحيانًا تجعلنا فئران تجارب للآخرين، وأن هناك من يحب إفساد براءة كل جميل ليرضي نقص ما بداخله ليس إلا.
تمضي السنوات بمرها وعلقمها، وحلاوتها المزعومة، وما زال هاجس الفراق يراودني، يحذرني من التعلق.
أضمرتُ في قلبي ما الروح تبديه، أخفيتُ في قلبي أسفًا على قلبي، أبديت في وجهي ما ليس بداخلي المتزعزع من ثبات.
كنتِ جميلة ورقيقة يا صديقتي، لم أفهم مدى جمالكِ ورقتك إلا الآن أنكِ كنتِ تعلمينني الدرس مبكرًا بأن من نحبهم وأمنا صحبتهم هم من يعلموننا البغض والتخلي ويلصقون بنا الخوف.
لم تخمد الجمرات بداخلي رغم مرور السنوات، لم يتوقف الأنين لحظة عن اعتصار أضلعي، لا شيء توقف عدا أنا ما زلت أقف في مكان فراقنا أنتظركِ وأنتِ لم تأتي.
#مذكرات_مريض_نفسي
#سعدالسعودي.