(مذكرات مريض نفسي "٣١") بقلم: سعد السعودي...

 

عزيزي البعيد، تحياتي لك من ثنايا الروح حيث تقييم، أمس ترجلتُ في الأزقة وبين الحقول كعادتي، كان القمر يتوسط كبد السماء في خمول على غير العادة، ربما رأيته أنا كذلك بعين الحزن المهيمن عليّ بعد فراقنا ووحدتي، 
"يا صاح تختلف نظراتنا للأشياء وفق أمزجتنا المتغيرة وما نمر به من سعادة وضيق".
توجهتُ ناحية شجرة العنب السامقة التي لطالما كنا نعلق عليها خيباتنا وأحزاننا فتحنو علينا وتمدنا بثمار ناضج، تشهد تلك الشجرة على كم الجلسات التي تسامرنا تحتها ومدى اقتسام الفرح والألم، كانت الشجرة لا تعرفني وكأنني غريب عنها، والقمر لم يعد يبتسم لي كما كنت أظن، تساءلتُ في دهشة انعقد لها لساني، هاج عقلي وماج، تلاعبت بي الظنون:
-ما الذي بدل كل شيء، ما بال رائحة الزقاق تمردت وتغيرت ولم تعد تُثملني؟!
 الحنين طغى على قلبي فصحت ذكريات الماضي بعد خمود ظننته حدث ولم يكن سوى سراب، صورتك التي احتلت كل شيء -من جدران غرفتي حتى كل مكان مررنا به- كانت خير برهان على أنك ما زلتَ هنا رغم جرحي وغضبي وتيهي وبعثرة حياتي بعد غيابك، طيفك الذي يصاحبني أخبرني أنني لم أتعافَ بعد، لم تعرفني الشجرة ولا القمر، ولا السماء الملبدة بالغيوم وكأنها تواري جسدها عني استحياء، ولا قناة المياه التي كنا نغسل بها أحزاننا، ولا العصافير المزقزقة في الأوكار.
لم يعرفني الزقاق ولا حبات العنب، أغلقت الأشجار فروعها ولم تعانقني ولم تشاركني فرحة اللقاء وتتراقص على رياح الشتاء كعادتها، توارى المطر ولم يهطل ليغسل حزني، ربما هناك شيء غريب جعلهم لم يعرفوني، ربما نقص ضلع من قلبي إثر رحيلك فبدوتُ لهم غريبًا، يا ترى متى تعود، وهل إن عُدت عاد الضلع إلى مكانه، واحتضنتني الأشجار؟! أنى لي أن أسامحك! وإن سامحتك أفتسامحك الأماكن والأزقة والقناة والقمر، هل يسامحك الحب على تشويه صورته في أعينهم؟! 
أنت الذي كنت تتشبث بي ولا تسمح لي بالغياب ساعة رحلتَ دون سبب أو عناق وداعٍ يهون جرح قلبي! 
#مذكرات_مريض_نفسي
#سعدالسعودي

تعليقات