(مذكرات مريض نفسي "٣٠") بقلم: سعد السعودي...

 


عزيزتي الغالية، بعد تحية معبقة بعطر أنفاسك هذه المرة ولندع الرياحين والورد جانبًا، أخبرتِني عن نوبات الخوف العالقة بقلبكِ لا تبرحه، وندوب متتالية من أثر خذلان عائلتكِ، وعنف أسري اغتصب طفولتكِ وبراءتكِ فأنجب منهما أجنة من جروح لا تبرأ، أخبرتِني عن مدى بؤسك وتعاستكِ، وعن أمزجتك المتغيرة بين لحظة وضحاها.
ما كان عليكِ أن تكلفي نفسك عناء الشرح يا فتاة، فأنا ورفاقي المقربون على نفس شاكلة الوجع، غرقى في مستنقع الآلام والندوب، أشم رائحة من يحملون تلك الوصمات في أرواحهم، شعرت بكِ وكأنني أعرفك منذ زمن، من قال أن الود والألفة لبائس مثلي خبير في الخيبات وفي الأشخاص يحتاجان إلى وقت! أدركت منذ الوهلة الأولى أن الدواء الذي تتناولينه مضاد للاكتئاب، لذا توقفي عن ثرثرة البؤس وعانقيني.
-يا صاح إن الأمان خوف بالنسبة لي فلم أجربه يومًا، وأنا أخاف من تجربة أي شيء جديد، جل ما أتمناه أن يمر اليوم بسلام فحسب، لقد توقفت عن الأحلام منذ عقدين من الزمن، مذ أن قص أحدهم جناحي.
-يا فتاة إن لحظات الأمان لقليلة، قلما نجدها في كنف أحد، كفاك بؤسًا واسمعي، لا تتناولي الدواء اليوم كي لا تنامي وتتركي قلبي ينصهر من فرط الشوق.
لماذا تركتَ عملك وحادثتني؟
-لي موعد مع عينيك في أمسية الليلة، ومثلهما لا يُخلف له موعد، هيا ودّعي ناي فيروز وتعالي، أعلم أن ذكرى يوم مولدك غدا، كالعادة لا يتذكر يوم مولدك أحد ولا يكترث، لكن دعي هذا الأمر لي.
-كيف تعرف كل شيء عني رغم حداثة اللقاء وبعد المسافات؟ في صوتك أمان أخاف منه كعادتي، أعتذر لكوني سلبية هكذا، وليس لأحد أن يتحملني فلا لوم عليك إن رحلت.
-يا فتاة لا تذكرين إلا الخوف، لمَ! تبًا لمن أودع الخوف بين جنبات قلبك وأفقدك ذاتك وثقتك، أنتِ جميلة للحد الذي جعل الظلم مباحًا في حقك وجعلكِ مطمعًا لكل عابر أسرته رقتك.
-شعور الأمان يطرق بابي فماذا أنا بفاعلة؟
-لا تكوني حمقاء يا فتاة، انفضي عنك ثياب الخوف وجربي شعور الأمان لو لدقائق تعينك على استكمال رحلة البؤس المعتمة.
عزيزتي زهرة، ما رأيك أن تتوقفي عن الدواء الليلة وتتناولي أحضاني علها تجدي؟ أعرف أن الأمر جنون لكن الجنون شفاء أيضًا.
#مذكرات_مريض_نفسي
#سعدالسعودي

تعليقات