عزيزي الغريب الذي كان بالأمس القريب قريبًا من الفؤاد يسكن أعماقه، منذ رحيلك لم أنم جيدًا، تصارعني ذكرياتنا معًا وتجولنا بين الأزقة والحقول كعادتنا، كل مكان مررنا به يتصدى لي، يصارعني، يهزمني، أُلقي عليه السلام وأسأله عنك، برحيلك غدت أشجار الحقول ذابلة يابسة وثمارها عفن، كل الأماكن تغيرت وتمردت، ترد السلام بصوت مبحوح مكتظ بالألم أن ارحل فلم يعد لك خل هنا ولا حبيب.
أمس كان الوضع مختلفًا؛ نمتُ من فرط الإرهاق من التفكير والجهد في محاولة يائسة لنسيانك، رأيتُ حلمًا غريبًا، أؤمن بأحلامي فهي غالبًا ما تحدث أو ربما أؤمن بها لأنها تكون إشارة لي، في حلمي زرت طبيب الأسنان، أخبرني أن أسناني جيدة عدا ناب واحد يجاور الأسنان الرباعية، يزاحمها، أخبرني أنه لو اقتلعه من جذوره لكان أفضل لي.
قلت في رهبة مَن لا يود مفارقة وطنه: سيدي الطبيب لو اقتلعته لآلمني.
قال الطبيب برقة: يا ولدي انفض عنك الشيء الزائد الذي لا حاجة إليه، هو مجرد رقم في حياتك، أنت من توهم نفسك بأن وجوده يفيدك ونزعه يؤلمك لأنك اعتدت عليه، دعني أخلعه.
استسلمت لكلمات الطبيب، سمحت له بخلعه، لم أشعر بألم كما توقع القلب النابض بنبضات متلاحقة لشدة الخوف من التخلي، نظرت في المرآة أصبح شكلي أجمل وأكثر جاذبية، قال الطبيب: رمم ما تبقى من أثر وانفض عنك ما يضرك، سنقوم بتقويم لك عما قريب وعليك بترميم كل جزء في قلبك.
استيقظتُ على رسالة منك، تسأل عن أخباري كالغرباء، فتشتُ في فحوى الرسالة المقتضبة أكثر من مرة، أنت تعلم أن لعنة التفاصيل ترهقني، وجدتها رسالة باردة خالية من الحب والقرب، ربطتُ حلمي بكلمات الطبيب، أيقنتُ أنني وحدي مَن يحب ويتشبث وأنت تعيش وكأن لم يجمعنا حب ولا عشرة ولا رحلة عمر طويلة تقاسمنا بها الفرح والحزن، حذفتُ المحادثة الطويلة بيني وبينك، محوتُ كل شيء يذكرني بك، اقتلعتك من أعماقي كما اقتلعتُ الناب الذي لا قيمة له سوى استغلال مساحة من فمي، وأنت تستغل مساحة من قلبي بلا جدوى منك، ضربتُ بحبك عُرض الحائط وأعدتك غريبًا كما جئت، أنا الذي أسكنتك قلبي بلا خوف ولا قيود ونسيتني في غمضة عين، عزيزي الغريب أتمنى لك حياة سعيدة وألا تجمعني بك الطرقات يومًا ما.
#سعد_السعودي...