(مذكرات مريض نفسي "١١") بقلم الكاتب: سعد السعودي...



 تلبدت السماء بالغيوم تصاحب نسمات الغروب الباردة، ترنحت الأشجار يمنة ويسرة وسط زقزقة العصافير استعدادًا لولوج الأوكار، أعلن الشتاء حضوره فكسا الفلك برائحة ذكية لطالما أحببتها، أعرف هذه الأجواء جيداً وأدمنها، بَيد أن هناك غضاضة في قاع الفؤاد لا تُمحى من أثر ذكراكِ، في مثل هذا التوقيت المفضل لي غادرتِني، تركتِ لي جرحًا لا يبرأ، رحلتِ دون سبب، تاركة لي لعنة الذكريات تنهش روحي، بائس أنا لحد لا يوصف، حتى في أشيائي المفضلة تندثر ندبة ألم تبهت كل جميل، يرتكز القلب نحو نقطة سوداء تلوث نصاعة حب لطالما أشرق بوجودك فلم يعد لنصاعته وجود يُرى.

اليوم الذكرى السادسة لرحيلكِ، كيف مر العمر دونك؟ كيف عاش القلب بين رمق الاحتضار لا ميت ولا حي؟! يقال إن البعيد عن العين بعيد عن القلب ما بالكِ تستوطنين القلب رغم اللا لقاء! لقد تغيرت الأزقة التي جمعتنا، لا صورة لقد مزقتُها جميعها، لا هدية من هداياكِ لقد قذفت بها في عمق البحر، ظننتُ بحماقتي أن محو الأشخاص يكمن فى محو أشيائهم وذكراهم، لكنني أدركت أن كنت في غيبوبة من أثر زجاجة عطرك التي ما زالت تحتل جدران غرفتي وقلبي رغم كسرها، أيقنت أن هناك بصمات لأشخاصنا المفضلين لا تمحوها السنوات ولا الأشخاص.

يُذكر أن خامس فتاة عرفتها بعدك وأوهمتُ نفسي بعشقها وأظهرت نسيانك بوجودها؛ رحلتْ اليوم في هذه الأجواء وكأن حبكِ لعنة سحر من عينيك تطرد كل من تقترب من مملكتكِ التي هجرتِها فغدت خرابًا يبابًا أتراقص بها ألمًا على لحن صوت خطواتك الأخيرة يوم الرحيل، لم تجد إحداهن في ذلك القلب الذابل من فرط الحنين لمياه عشقك إلا بقايا خراب وبئر آسن ماؤها منذ آخر دمعة منك سقطت بها فأفسدت ماءها، وسلامي، وعينيّ اللتين ترياكِ في كل شيء، سلام لقلبي العالق في المنتصف بين نسيانك وبين غيابك من كل شيء إلاي، فكفكي دمع قلبي وبياض عينيّ بنظرة عابرة منك يلقاها كل غريب محظوظ وأنا وبؤسي لا نراكِ، فرفقًا بعزيز قلب ذل.

#مذكرات_مريض_نفسي

#سعدالسعودي

تعليقات