(مذكرات مريض نفسي "١٥") بقلم الكاتب: سعد السعودي...



 صديقي العزيز، محبتي لك وريحانٌ كسولّ ووردٌ ذابل ظمآن هذه المرة، كحال قلبي تماما في الفينة الأخيرة، لطالما اخترتُ لكَ كل ما هو مشرق نضِرٌ لكنني هذه المرة لا أملك رفاهية الاختيار، لقد اكتشفتُ أن محبتي تنبع من صميم قلبي حتى لقي حتفه فنفدت مشاعري، والورد والرياحين الذي أهديتك إياها كانت ترتوي من روحي حتى جفت فلم تعد تصلح لترميم قلب، فالرثاء لها ولنفسي.


على قارعة الطريق كان هناك لافتة ربما كتبها أحدهم بدمائه؛ يبدو أنه خطَّها بحبر الرمق الأخير؛ لذا بدت باهتة شاحبة، لكن فؤادي البائس - والذي يدرك خبايا الألم ويستشفه من الأعماق- كفَّى ووفَّى، وتخيل كعادته صور الوجع المتفرقة، واندفع الماضي يُبدد ثباتي وصلابتي بسكْبِ ذكريات أحلام مبعثرة متناثرة، لو أنها اكتملت لظل الورد نَضِرا، ولظلت الرياحينُ تتراقص، والعصافير تزقزق وتغرد، كانت اللافتة تحتوي على نص صغير "لا شيء يبقى إلى الأبد، كل الرفاق إلى زوال، فإياك والتعلق أيها الأحمق، إن البشر يتفننون في إلحاق الأذى بمن يحبهم ويثق بهم ويتخذهم الملاذ الآمن".


بعينين حمراوين من أثر البكاء وقفت أشاهد خيباتي تتجسد أمام عيني داخل ضحية أخرى، رأيت طيفكَ يحيط بي، تذكرتُ كيف كانت البداية بيننا، كنتَ تمطرني بوابل من الحنان حتى سقطتُ في فخاخ حبك، أخبرتُك أنني شخص يلمع من الخارج فحسب، بينما مَن يتعمق في داخلي ويدرك الخراب الذي بي؛ يرحل تاركًا لي ندبة أخرى، عاهدتني على البقاء ففتحتُ حصون قلبي، اطمأنَ لك فغادرته دون أن تراعي عهداً ولا ذمة، أنا الآن وحيد كما جئت، الآن أكتب لافتة تحذيرية أنا الآخر، "لا تعلق قلبك بأحد فإن ألم الفراق لَعظيم، وإن الوحدة بعد الرحيل لا ألم يضاهي ألمها، انجُ بنفسك؛ رافقها واكتفِ بها فبالأمس كنت أجمع ورداً وزهورا، واليوم أحصد خسارتي التي لا أدري عددها استعداداً لخوض معركة أخرى محسومة بخذلان ومرارة هزيمة، لقد كنت مثلك أرى أن الحب قارب نجاة، لكنني لم أكن أدرك هول طغيان موج الفراق فتحطمت أشرعتي وغرق زورقي في أعماق الألم".

#مذكرات_مريض_نفسي

#سعدالسعودي

تعليقات