إلى صديقي الذي أحببت، أكتب إليك والكلمات قد نفدت، جف الحبر فغمستُ ريشتي في دمائي وها أنا ذا أحتضر، أتساءل لماذا الدنيا بتلك الدونية؛ تجمعنا غرباء وتفرقنا بعد أن صرنا أقرباء قرناء أحبة؟! ارتباك البدايات مثير؛ نلمع في أعين مَن يرانا؛ نقترب بلا حسبان أو حذر، أما أنا فلي مع الحب والتعلق بالأشخاص معارك لم أنتصر في واحدة منها، نأيتُ بقلبي عن الأخلاء واعتزلت البشر، نفدت طاقتي، خارت قواي، خُذلت، زرعتُ أضلعي في قلوب خربة جرداء لم يزر الحب تربتها يوما؛ فحصدت الخيبات والندوب، توقف قلبي عن النبض منذ أمد.
رأيتك فخفق القلب وانتعش، أقسم إنك عوضه وساكنه الأبدي، فتح لك أبوابه حين لامس الحنان في روحك، اقتربتُ منك واتخذتك خليلًا، أنا الذي لا رفيق له سوى وسادته المبللة بالدموع، وحدها جدران غرفتي تشهد على أنيني واختناقي، وحدها قهوتي المُرة تدرك ألمي، تجولنا في الأزقة والربوع يشهد على سعادتي التي لم أعرف معناها إلا في كنفك، يشهد القمر على سمرنا في الهزيع الأخير من الليل، والنجوم الخافتة كانت تحسدني عليك، في الشتاء أتزمل بعناقك، في القيظ أحتمي بك من الحرارة، في الوهن أهرع إليك، وحدك أخبرتك نقاط ضعفي، أخبرتك عن أذى الآخرين، توسلتُ إليك ألا تخذلني فقلبي لم يعد يحتمل.
تعلقتُ بك، أحببتك حبًا لو وزع على جذوع النخل لأشرقت وأثمرت، لو قُسم على قبيلتين في حرب لألف بينهما، اتخذتك ركني الآمن أنا الذي اعتدت الخوف ولم أجد الأمان إلا في أحضان الأزقة.
خذلتني، هتكتَ أستار قلبي وما ائتمنتك عليه، هجرتني بلا سبب كما أحببتك بلا سبب، لا أطلب منك الرجوع فقلبي الخرب لم يعرف الخنوع والتذلل، لكن بربك أخبرني كيف أتعافى من دونك؟ ماذا أقول للنجوم التي تسائلني عنك؟ القمر شاحب باهت أظلم دربي بعد رحيلك، الشوارع تتوق إلى تجولنا معًا، الليل خامل بطيء لا يمضي، والياسمين ذابل لا يفوح عطره، ونسيم الفجر لم يعد يهب يُروح عن فؤادي التائه بحثا عن سبب رحيلك، بربك أخبرني أين يذهب المرء حين لا يجد مأوى يهرع إليه، وكيف يعيش دون ضلع هاجره، علمتني كل شيء لكنك لم تعلمني كيف أتجاوز، بربك لا أسألك الرجوع؛ لكن عد بي إلى حيث قبل أن ألقاك وارحل.
#سعد_السعودي...