(مذكرات مريض نفسي "٩") بقلم الكاتب: سعد السعودي...



 السلام عليك يا صاحبي، منذ وقت طويل لم أكتب لك، فقد زادت حمى الندوب في جنبات قلبي، ها هي تنخس ما تبقى به من رمق، لكنك تدرك أنني عنيد أصارع ما دمت أتنفس لذا سأكتب لك، أمس كنت في زيارة عند الطبيب النفسي الذي كعادته يخبرني أن كل الآلام إلى زوال، وأن الأيام كفيلة بأن تجعلني أنسى، لقد سئمت تلك الكذبة منذ عقود ولا شيء يمر، سأخبرك سرًا، لقد عانيت طفولة بائسة صعبة أكلتْ من طاقتي وروحي، نبتة صغيرة يسقيها القاصي والداني من أفراد عائلتي حسب ما يروقه ويتلذذ به، كنت عرضة للضرب المبرح دونما سبب، لا تأكل هكذا، ولا تشرب هكذا، لا تغادر المنزل، لا تصاحب أحدا، لا وألف لا دون اقتناع أو إبداء سبب، أُرغمتُ على القسر والأسر، كانت جدتي تقول إنها أيام وتكبر وتنسى.

كبرتُ دون أن أنسى، دون أن أشعر أنني كبرت، تعرضت لضغوطات أكبر تليق بي، لكنني لم أنسَ، الآن كلما رفق النوم بعيني وزارني ونمت أحلم أنني أتعرض للضرب المبرح دونما سبب كعادتي، يعيق حريتي الجاثوم فلا أنام، وتداهمني كوابيس الطفولة في أحلامي وطيفي، فأنى لي أن أنسى؟ رفاقي لا يلتمسون الأعذار، زوجتي تبحث عن ما ينقص البيت من طعام وأثاث، وصغاري يودون عناقا خالياً من الحزن كي لا ينقل إليهم، وصاحب العمل يبحث عن ما يمكنني أن أساهم به في زيادة ثروته، فأر عالق في مصيدة الذكريات، وقلبٌ قابع في مرحلة الطفولة، واقع عنيد يفرض عقوبات جديدة، وما زال ذلك الطبيب الملعون يخبرني أنها أيام وستمر وسأنسى.

لا شيء يُنسى يا صاح، لا ندبة تُمحى، لا أحد يشعر بوجع أحد، يا صاح لا يشعر بالوجع إلا أهله فلا تكن كاذباً وتخبرني أنني سأنسى، فقط لا تزد خيباتي، لا ترحل مثل كل شيء أحببته، والتمس لي الأعذار حين تجدني خلعت قناع القوة والسعادة وأظهرت لك حقيقتي، فأنا بارع في ارتداء الأقنعة أمام الأعين، وحدها غرفتي تسمع أناتي، وحدها وسادتي تجفف دمعي، وحده دثاري يعانق شوك قلبي، وحدي ألوك الألم وأظهر أنه سعادة.
#سعد_السعودي...

تعليقات