"كيف نوهم أنفسنا بأننا ناجحون، وما هو النجاح الحقيقي" للكاتب: عبدالرحمن القصاص...

 أحياناً أتعجب من ذلك الوضع الحياتي والمعيشي الذي نطلق عليه "نجاح"، ذلك الوضع الذي يمكننا اختصاره في وظيفة جيدة تدر علينا دخلاً مناسباً، يكفي لاحتياجاتنا الرئيسية وبعض الرفاهيات، بالإضافة طبعاً لتعليم عالٍ يعطي رونقاً لبطاقة الهوية ويُعلي صوت صاحبه في إجتماع عائلي مثلاً ويعطيه ثقلاً ويزيد من فرص عيشه لحياة كريمة، إنه النجاح الذي نسعى إليه حتماً. ففي الوقت الذي تقرأ فيه تلك الكلمات، إما أن تكون تسعى إلى ما ذكرته أو حققته كله أو بعضه، ولكن إن وصلت إلى تلك المرحلة مما تظنه (نجاحاً) خبِّرني:


هل حقاً تشعر الآن بالنجاح أم تشعر أن ثمة شيءٌ ناقص؟


في الواقع..إن الوصول إلى تلك المرحلة من النجاح المادي وبالمناسبة (الضروري) للعيش في المجتمع بأمان نفسي ومادي ليست بالسهلة أبداً وتتطلب مجهودات جبارة حتى تظفر بها، ولكنها بعد موتك لن تكون بتلك الأهمية، لن يذكر أحداً شهادتك أو الزوجة التي تنتمي لعائلة مشهورة، أو سيارتك أو وظيفتك، كل هذا حتى إن ذكر فسيذكر بعدم اكتراث..وهذا ببساطة لأنك صرت في عين العالم (ماضي)..


قد تتساءل الآن، وما هو النجاح الحقيقي إذن، إذا لم يكن في كل ما ذكرته؟


النجاح من وجهة نظري أجزاء عديدة، يجب أن نعطي لكل جزء منها ما يستحقه، فمثلاً هناك الجانب الأخروي، وهذا يستلزم منا أن نتعلم كيف نستزيد من الحسنات وننمي الإيمان داخلنا ونضبط نوايانا ونكبح شهواتنا ونربط ألسنتنا، وهذا الجانب الأخروي بإمكانه أن يكون جزءاً من كل أعمالنا الدنيوية وسنعرف ذلك بعد قليل.


وهناك النجاح الصحي، وهو أن تكون بصحة جيدة، أن تمارس رياضة معينة وأن تهتم بعادات تجعل صحتك جيدة، وبإمكانك أن تستحضر نية أن تكون بصحة جيدة لتسعى لعمل الخير، وبهذا فأنت تُدعِّم من سعيك للنجاح الأخروي. 


وهناك النجاح المالي والنفسي والعلمي، وكل جانب من تلك الجوانب بإمكانك أن تسعى فيه دون أن يؤثر على بقية الجوانب، وكل جانب منها بإمكانك أن تربطه بالنجاح الأخروي، فتستحضر النية وتحسن التصرف فيما تملك.


 كذلك ليس من العقل أن تتفانى في جزء من نجاح معين وتقصر في أجزاء النجاحات الأخرى، فأنت في ءلك الوقت ستسعر أن شيئاً ما ناقصاً لا محالة، فمثلاً لا تتفانى في جمع المال دون أن يكون لك متنفساً نفسياً كنزهة أو  تفسُّحٍ أو مشاهدة فيلم، أو تهتم بذهابك للجيم والأكلات الصحية والبروتين وأنت مقصر في زيادة دخلك لتعيش حياة أفضل.


أو تفعل كل شيء عدا الإهتمام بالجانب الأخروي، فأنت بذلك خاسرٌ خاسر.


دعني أعرض عليك ما قاله الراحل بهاء طاهر في روايته (واحة الغروب) حيث قال:


"لم أفهم معنى ذلك الموت، لا أفهم معنى للموت، لكن ما دام محتماً فلنفعل شيئاً يبرر حياتنا، فلنترك بصمة على هذه الأرض قبل أن نغادرها."


بإمكاننا القول، أن جزءاً هاماً من النجاح الحقيقي يا عزيزي يكمن في تلك (البصمة) والتي لأجلها يترك العالِم وظيفة مرموقة لينشغل باختراعٍ يفيد البشرية، ويترك الأديب حياة الرفاهية ليقبع في عزلة طويلة حتى يُخرج للبشرية كتاباً بديعاً، إنه الأثر الذي يُعطي صاحبه الخلود بعد الموت، ويعطِ لحياته المعنى قبله، ويجعل عدَّاد حسناته لا يتوقف عند إنقطاع الأنفاس وتوقف القلب.


قد أعجبني بهاء طاهر حين وصف الأثر الذي نصنعه قبل موتنا بأنه (مبرر للحياة) ..


والآن عزيزي القارئ لدي سؤال؛ ما هو النجاح (الدنيوي) بالنسبة لك؟ وهل ينبغي أن تكون ذا أثر حتى يكون لحياتك قيمة ومعنى؟

تعليقات