عزيزتي الغائبة، يوم رحيلك كنتِ تجمعين أغراضكِ استعدادًا لحياتك الجديدة، حرصتِ أن نتناول العشاء على أضواء الشموع وحرصتُ أنا ألا أحضر، أكره لحظات الوداع لدرجة الخوف لذا لم أحضر، كنتُ أرى رسائلكِ بأنك تنتظريني وللمرة الأولى لم أفتحها بشوق كعادتي، هناك أشياء تغطي كل شيء وتمحوه، كانت الرسالة الأخيرة بأنك سترحلين نقطة تحول في حياتي المكتظة بالأوجاع لا بأس بوجع آخر، ما أجمل الوجع إذا كان منكِ!كما عهدتكِ تنظمين كل شيء بعناية فائقة، هنا سأضع الملابس، هنا الطعام، هنا أضع الأسّرة وخزانة الملابس، نظمتِ كل شيء ونسيتِ إخباري كيف أنظم قلبي بعد رحيلك! هنا كيف يحيا ذلك الضلع دون استنشاق عبير أنفاسك! قدماي أين تذهبان وهما لم تعتادا سوى الذهاب إليك! كل شيء صار منظمًا وقلبي صار مبعثرًا من بعدك.
تتساءلين لماذا لم أعانقك عناق الوداع! كيف لم أخبرك بكل هذا الحب الذي أكنه لكِ بين ثنايا الروح وجهًا لوجه! سأخبرك بسر، أنا أخاف ولا أجد شجاعة في التعبير عما بداخلي إلا خلف الشاشات والكتابة، لقد نشأتُ على السمع والطاعة لا رأي لي ولا حرية اختيار، يختار أبي المدرس الذي يدرس لي، والقسم الذي أدرسه دون اكتراث لما أحب وأبغض، تختار أمي ملابسي الواسعة التي تظل لأعوام معي، نشأتُ متزعزع الشخصية، فقدتُ الثقة في ذاتي نظرًا لخوف أهلي عليّ، يا عزيزتي لم يدركوا أن الخوف الشديد على الأشياء قد يفسدها دون أن نشعر أو يفسدنا نحن ويبقيها.
في طفولتي كنا نلعب الكرة في الزقاق الضيق المجاور لمنزلي كنت أعشق اللعب، إذا ما وقف أحد يشاهدنا كنت أعتقد أنه وقف لينظر إلي وحدي، ليسخر مني، فسرعان ما أختلق أعذارًا واهية وأترك اللعب على مضض، أتجول وأرفض ركوب السيارات لأنني على يقين بأن الجميع ينظرون إليّ بنظرات السخرية والفشل كما تفعل عائلتي، الخجل يا عزيزتي جعلني أتخلى عن أحلامي وهواياتي وجعل حقوقي لعبة في أيدي الجميع، أخاف قول لا لشيء يغضبني ويزعجني أرضى بما لا يروقني ولا يشبهني فيفسدني لكونه لا يشبهني، سلام لي أنا الذي أصبح لي من العمر ثلاثة عقود ولا أعرف كيف أختار ملابسي ولا أصدقائي ولا أستطيع رفض ما يؤلمني ولا عبور الشارع، وحدكِ من تعلمتُ على يدها معنى الثقة والتعبير عن رأيي الذي لا يخرج من صدري لأنه لن يؤخذ به، أنتِ التي كنتِ موطني ومصدر مأمني وثقتي رحلتِ دون سبب أو سابق إنذار فعدتُ إلى نقطة الصفر إلى اللا شيء، سلام لكِ على ما تركتِه داخلي من سعادة مؤقتة غدت في طرفة عين لعنات وكوابيس تداهمني بُكرة وعشيًا.
#سعد_السعودي...