فلتتأمل أين زرعك الله يا صاح، أين أقامك وأنشأك، وماذا يريد منك بنشأتك في تلك الظروف وعلى تلك الحالة، ما هي الرسالة التي يتوجب عليك حملها، وما الحكمة في إنباتك هنا دوناً عن غير هذا المكان.
ربما يؤهلك لتعرف نفسك، تستكشفها، وتقرر أي الأماكن يناسبها، وتسعى موقناً بأن أرض الله واسعة، والبيئة التي تؤذي ففراقها واجب عليك.
أوقن أن وجودنا في بيئة مستنزفة، يمتص طاقاتنا ويخرجها بطريقة خاطئة وفي مكان خاطئ، مثل أن تخرج طاقتك في حل المشكلات، وهذا كي تنعم ببعض الهدوء فقط، حيث الهدوء هو كل ما تريد أن تظفر به من تلك الحرب، وليتك تفعل، إنك محض مُحاول ضعيف في بيئة لا تناسبك، فتحاول مراراً إلى أن تعرف أن مكانك ليس هنا، وأنك في مكانٍ آخر ستخرج طاقتك بطريقة مختلفة، كأن تخرجها في التعلم الذي يناسبك، أو تخرجها في محاولة تأهيل نفسك وتحسينها وتقويمها، ستكون نتائج طاقتك انتصارات لك وليست مدافعة الهزائم التي لا تنتهي كما كانت بالسابق.
أن تَنبُت في مكانٍ ما، فهذا قدرُك أما أن تُنبِت فيه أو "لا" فهذا اختيارك..بل هذا أنت.
والإنبات هنا يا صديقي هو الإدراك، إدراك قدرتك على العطاء لنفسك وللعالم من حولك، وهذا حين تجد إجابة لسؤال، هل مكوثي هنا سيجعل مني إنساناً أفضل، ذو أثرٍ ونفع لمن أحب، هل سأكون أغنى؟ أجمل؟ أرقى؟ أكثر أدباً وعلماً؟
إن كانت إجابتك نعم فابحث عن الأسباب وانبت فإن أرضك خصبة وبيئتك صالحة.
وإن كانت إجابتك لا، فارحل رحيل الباحث عن الكنز، في عينيك العزم، وفي قلبك الإيمان، وفي عقلك عدة السير وخطته، والكنز هو النسخة الأفضل منك، تلك النسخة القادرة على أن تفيد نفسها ومن حولها وتكون ذات أثر.
هذا هو الإنتصار الأول والأصعب، حين تعيش غير منتمياً لمن حولك، لا تشعر بأنهم مثلك أو أنت مثلهم، بطريقة ما تشعر بأنك وصلت إلى هنا بالخطأ وأن ذهابك إلى حيثُ تنتمي حقاً هو ما ينبغي أن تكون عليه الأمور حتى تكونَ طبيعية.
أذكر قصة شخصٍ كان لديه حصان فأصابت ذلك الحصان وعكة صحية فضعف وأصبح غير قادر على العمل، فرماه صاحبه في الشارع حين وجده بلا منفعةٍ تُذكر، فوجده شخصٌ آخر في الشارع وهو ينازع الموت ويجلس بلا حراك وقد بدا عليه بوادر الهلاك فاهتم به وأخذه إلى بيته فبدأ الحصان يستعيد صحته التي فقدها ورونقه وبهائه القديم، فاكتشف صاحبه الجديد بعض العلامات التي تدل على أنه من فصيلة نادرة من الخيول، وعندما تحقق من الأمر وجده بالفعل كذلك...ويساوي مئات الآلاف من الدولارات!
هكذا نحن في أحيان كثيرة، نكون كساعة أثرية وقعت بيد بائع خردة، أو كتاباً قيماً وقع تحت يد بائع البهارات والملح. نكون في مكان..ببساطة : ليس مكاننا.
فانبت في مكانك أيا كان يا صديقي العزيز. حتى إذا جمعت عدة الرحيل وذهبت لذلك المكان الذي تستحقه، ستذهب إليه بنفس المنتصر المتوكل لا المنهزم الذي يبحث عن خلاص، ويظن أن المكان هو من يتحكم بنا وليس العكس.
أما أنا فأومن أنَّ لكل ذو همة مكانٌ ما سيصلُ إليه، وفيه سيعامل على قدر قيمته فعلاً، بلا انتقاص، بل جهل، بلا احباط وبلا قتل لأمانيه وتطلعاته.